recent
الأحدث

نماذج من إسهامات المرأة في الفكر و الفلسفة





نماذج من إسهامات المرأة في الفكر و الفلسفة


محاولة لردم الهوّة المعرفية بين الذكر والأنثى

( حنّة أرندت )


- أحد الأصوات التي تردد صداها في سماء الفكر والسياسة. انطلقت من إيمانها بصوتها ، واستعداد عقلها للتفكير ، والإبحار في شتى الميادين. تجلّى عندها للعقل طريقين ظهرا بالمانشيت العريض على غلاف جزأي كتابها "حياة العقل". هذين الطريقين هما "الإرادة" و "التفكير". ذلك أن الإنسان كي يُوظِّف عقله فيما خُلِق لأجله لابُدّ أن يتحلى بالإرادة أولاً ، وهذا حتماً يُفضي إلى التفكير كضرورة من ضرورات العقل.
كانت أرندت لا تُحبّ الألقاب ، فكان محيطها يحار بأية النعوت ينعتها ، هل هي فيلسوفة أم منظِّرة سياسية ؟ و كل ما نعرفه أنها جمعت بين حنكة السياسة و حرية الفكر ، فقد كانت تمجِّد الفكر الحر ، وترفض الالتزام ، و تعتبره خيانة للفكر. فالمفكِّر الحقيقي برأيها لا يُوظِّف فكره لصالح أية جهة كانت ، إنما يضع أفكاره في خدمة الإنسانية جمعاء.
حنّة أرندت مفكرة وفيلسوفة ومنظّرة سياسية ألمانية ، من مواليد عام ١٩٠٦. تتلمذت على يد الفيلسوف الشهير "مارتن هايدغر" ، لتنتقل من موقع التلميذة إلى موقع الحبيبة والخليلة ، صديقة الفكر والمعرفة. التقت في فرنسا فلاسفتها ومفكِّريها العِظام من طينة "سارتر" و "كامو" و "ريمون آرون" وغيرهم.
تركت آثاراً تدل على عمق تفكيرها وسعة اطلاعها ، و اضطلاعها بجوانب متعددة في الحياة السياسية و الفكرية ، منها :
"أسس التوتاليتارية" : وفيه عمدت أرندت إلى نقد الأنظمة الشمولية ، لاسيما النازية الألمانية والستالينية السوفييتية. وكانت تلك المحاولة من أبرز المحاولات في هذا الجانب على مستوى الفكر النسوي خاصة ، والفكر الغربي عموماً.
"أيخمان في القدس" : وفي هذا الكتاب تطرّقت أرندت لمسألة الشر ، و رأت أن الشر ليس بالفطري في النفس البشرية. وقد كانت محاكمة أيخمان التي عُقِدت لتجريمه بجُرم معاداة السامية محور الكتاب. حيث قررت أرندت في إطار دفاعها عن أيخمان أنه كان يُنفِّذ أوامر جهات أعلى منه ، وبالتالي برّأتهُ من التهم التي أسندتها المحكمة إليه ، في إطار ما أسمته "تفاهة الشر".

- هذا بالإضافة إلى مؤلفات أخرى مثل : "الوضع الإنساني" "مالسياسة" "حياة العقل" "بين الماضي و المستقبل" وغيرها الكثير. توفيت أرندت سنة ١٩٧٥.

( نانسي فريزر )

- وحتى يومنا هذا لا يزال الفكر عموماً ينعم باللمسات النسائية سواءً على مستوى الفلسفة أو السياسة ، تلك اللمسات التي أضفت على الفكر رونقاً وقوةً ، وأثبتت أن العضلات محلها العقل ، لا الجسد.
و هاهي نانسي فريزر الفيلسوفة الأمريكية ، لا يزال عطاؤها يتدفَّق رغم بلوغها العقد السابع من عمرها ، وهي لا تكِلُّ ولا تمَلُّ من المطالبة بإعادة بلورة مفهوم العدالة الذي سبقها إليها مفكِّرين كثر ، كجون راولز ، و يورغن هابرماس. ولكن بصمة فريزر الأساسية تكمن في محاولتها إعادة صياغة هذا المفهوم وفق مطلبين أساسيين ، وعلى صعيدين مختلفين : الاقتصادي : حيث طالبت بإعادة توزيع الثروات والموارد ، بشكل يكفل تحقُّق العدالة على الوجه المطلوب. والاجتماعي : حيث طالبت بالاهتمام بالفئات الصغيرة المهمَّشة في المجتمع ، بعبارة أخرى "الأقليات" ، وكان هاجِسها هو رد الاعتبار لهؤلاء ، في سبيل خلق مجتمع يتساوى فيه الأفراد ، و هو الوجه الحقيقي الذي ينبغي للعدالة الاجتماعية أن تتمثَّله. هذا بالإضافة إلى جهودها النسوية الحثيثة التي عمِلت من خلالها ، على تكوين رؤية جديدة لمفهوم هوية المرأة.
تعتبر نانسي فريزر من روّاد مدرسة فرانكفورت الشهيرة ، والتي تضم إلى جانبها أهم الفلاسفة والمفكِّرين ، أمثال "يورغن هابرماس" - وهو أكثر من تأثرت بهم - ، إضافةً إلى "هربرت ماركيوز" و "تيودرو أدورنو" و "ماكس هوركهايمر" وغيرهم.
وُلدت فريزر عام ١٩٤٧ ، وهي عضواً بارزاً في الأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم. من أهم مؤلَّفاتها : "انقطاعات العدالة" - "التصور الراديكالي في إعادة التوزيع والاعتراف" - "دينامية النساء".

- سنكتفي ههنا بذكر إسهامات كل من أرندت وفريزر ، إلا أن تاريخ الفكر والفلسفة عامِر بأسماء لم تكن عابِرة أبداً ، وكان لها التأثير الكبير في تأكيد هويّة المرأة المفكِّرة ، التي لا تؤطَّر بمحدِّدات سطحية. نذكر من هؤلاء عبر التاريخ : "هيباتيا الاسكندرية" "ديوتيما" ( معلّمة سقراط ) ، "جوليا دومنا" ، "روزا لوكسمبورج" ، "ألكسندرا كولونتاي" - "جوديت بتلر" ، "سيمون فايل" ، وغيرهِن الكثير.
وكل ذلك يقلِب الصورة المُتعارَف عليها ، والتي تكرِّس الفكر كممتلكات ذكورية ، ولطالما قلنا ونقول ، ولا نملّ من القول بأن العقل واحد ، والاستعداد للتفكير ذاته موجود لدى الجنسين ، فمعنى ذلك أنه لابُد للعقل أن يشتغل شغله ، دون أن يكترث بجنس الرأس الذي يحتويه.

🔚 انتهى
_______

مراجع البحث :
سيمون دوبوفوار ، الجنس اآلخر ، ترجمة سحر سعيد ، دار الرحبة : سوريا ، ج1.

رينيه ديكارت ، مقال عن المنهج ، ترجمة محمود الخضيري ، الهيئة العامة المصرية للكتاب : القاهرة ، ٢٠١٢ ، ط٣.

إمام عبد الفتاح إمام ، نساء فلاسفة في العالم القديم ، مكتبة مدبولي : مصر.

إمام عبد الفتاح إمام ، أرسطو والمرأة ، مكتبة مدبولي : مصر.

عبد الرحمن بدوي ، إمانويل كانط ، وكالة المطبوعات : الكويت.

فريدريك نيتشه ، هكذا تكلم زرادشت ، ترجمة فليكس فارس ، دار القلم ، بيروت .

وفيق غريزي ، شوبنهاور وفلسفة التشاؤم ، دار الفارابي : لبنان.

مجموعة من األكاديميين العرب ، الفلسفة والنسوية ، تحرير علي المحمداوي ، منشورات الاختلاف ، الجزائر.

رشيد العلوي ، الفلسفة بصيغة المؤنث ، مؤسسة هنداوي سي آي سي ، المملكة المتحدة.

author-img
MOGA NEW

تعليقات

ليست هناك تعليقات

    google-playkhamsatmostaqltradent